بحث فى المدونة

الثلاثاء، 25 مارس 2014

ثلاثون سببا للتحرر من كامب ديفيد

ثلاثون سببا للتحرر من كامب ديفيد
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

1)   تجريد ثلثى سيناء من القوات و السلاح، مما يجعلها عارية أمام اى عدوان اسرائيلى مستقبلى مماثل للعدوانى 1956 و 1967.
2)   الانحياز الى الأمن القومى الاسرائيلى على حساب الأمن القومى المصرى.
3)   نشر قوات أمريكية وأوروبية فى سيناء لا تخضع للأمم المتحدة، تراقب القوات المصرية، ولا تملك مصر المطالبة بانسحابها.
4)   انتشار التجسس والإرهاب والتهريب و كل انواع الجرائم فى سيناء، بسبب غياب سيادة الدولة هناك.
5)   زرع الخوف من أمريكا وإسرائيل، بحجة التهديد العسكرى الامريكى لمصر الوارد فى مذكرة التفاهم الامريكية الاسرائيلية الموقعة فى 25 مارس 1979، والذى يتخذ النظام منه ذريعة لعدم المطالبة بإلغاء او تعديل المعاهدة.
6)   سيطرة وتحكم امريكى فى الجيش والسلاح المصرى، من خلال المعونة العسكرية الأمريكية، لضمان التفوق الدائم للجيش الاسرائيلى.
7)   ضرب الاقتصاد المصرى وتصفية القطاع العام بسبب دعمه للمجهود الحربى قبل حرب 1973، وتأسيس اقتصاد بديل تابع.
8)   قامت أموال المعونة الاقتصادية الأمريكية بتمويل صناعة طبقة رأسمالية تحكم مصر، موالية لامريكا وللسلام مع إسرائيل.
9)   أصبح الاعتراف بإسرائيل والالتزام بكامب ديفيد شرط امريكى اوروبى اسرائيلى لكل من يحكم مصر.
10)          وتم طرد كل من يعادى اسرائيل أو يرفض المعاهدة، او يناصر فلسطين من شرعية نظام كامب ديفيد.
11)          كما ألزمت المعاهدة مصر بتقديم كل من يحرض ضد اسرائيل الى المحاكمة .
12)          تزييف الوعى الشعبى وتضليل الراى العام، لتصبح اسرائيل هى الصديق وفلسطين هى العدو.
13)          دخلت أمريكا بمعونتها وخبرائها واستخباراتها وأجندتها إلي أعماق المجتمع المصري تراقبه وترصده وتحلله وتوجهه وتستقطب منه وتفرخ فيه مؤسسات خادمة لتفعيل مشروعها في مصر.
14)          أصبح للمعاهدة الأولوية على اتفاقيات الدفاع العربى المشترك الموقعة فى 1950، بموجب نص صريح فى المعاهدة.
15)          وتم تقييد حق مصر فى توقيع اى اتفاقيات مستقبلية مع اى دولة،  تخالف أحكام المعاهدة  .
16)          أدى الاعتراف بشرعية إسرائيل الى التفريط فى ارض فلسطين التاريخية، فى أول سابقة عربية على مر التاريخ، وهو ما فتح الباب بعد ذلك لسيل من التنازلات العربية الرسمية.
17)          أدى انسحاب مصر من الصراع الى خلل كبير فى ميزان القوى، والى هيمنة عسكرية اسرائيلية، والى سلاسل من الاعتداءات الصهيونية المتتالية على لبنان والعراق وتونس والسودان وسوريا وفلسطين.
18)          نصت المعاهدة على ضرورة قيام مصر بالترويج للسلام على الطريقة الاسرائيلية، والتحالف ضد كل من يرفضه، والمشاركة فى حصار المقاومة الفلسطينية .
19)           إضعاف المقاطعة الدولية لإسرائيل، بعد أن قامت  80 دولة بالاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها بعد المعاهدة.
20)          أدى ضرب قضية العرب المركزية (فلسطين)، الى ضرب وحدة الصف العربى، وتفشى الانقسام والاقتتال الداخلى، وتحول منذئذ الصراع العربى الصهيونى الى  صراع عربى عربى.
21)          أدى انسحاب مصر من مواجهة المشروع الامريكى فى المنطقة، الى نجاح وتعميق الهيمنة الأمريكية على الوطن العربى واحتلال العراق وتقسيم السودان.
22)          كما أن المعاهدة باطلة دستوريا بسبب مخالفتها للمادة الاولى من الدستور التى تنص على أن مصر جزء الامة العربية، تعمل على وحدتها.
23)          وبسبب مخالفتها للمادة الخامسة من الدستور التى تنص على ان السيادة للشعب المصرى وحده، بعد أن فرطت فى سيادتنا العسكرية الكاملة فى سيناء.
24)          وبسبب مخالفتها المادة الثانية من الدستور و أحكام الشريعة الاسلامية التى تحض على قتال كل من يعتدى على أوطاننا (ديارنا)
25)          وبسبب   تزوير الإرادة الشعبية فى الاستفتاء الذى تم على المعاهدة فى ابريل 1979.
26)          والمعاهدة باطلة دوليا أيضا، وفقا لاتفاقية فيينا للمعاهدات، بسبب "إكراه" مصر على السلام مع إسرائيل، بعد أن تم احتلال أراضيها بالقوة بالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة، وعدم تدخل مجلس الأمن لإخراج القوات المعتدية، وما تلى ذلك من انضمام أمريكا الى اسرائيل فى حرب 1973 .
27)          اعتراف مصر بدولة عدوانية عنصرية و طائفية كإسرائيل، فتح الباب أمام الطائفيات الأخرى، لتأسيس دويلاتها المماثلة للنموذج الصهيوني، ومثل دعما كبيرا لمشروعات التفتيت العربى .
28)          ضربت المعاهدة روح الانتماء الوطني لدى الشعب المصري، بعد أن تم ضرب كل ثوابته الوطنية والتاريخية والعقائدية.
29)          تسببت فى الانشقاق الوطنى وضربت الوحدة الوطنية بين الشعب والسلطة الحاكمة، بعد ان تصالحت مع عدو الأمة، ففقدت شرعيتها الوطنية، وحكمت البلاد منذئذ بالقمع و الردع.
30)          إجهاض الثورة المصرية واحتواءها وإعادة إنتاج نظام مبارك، بعد أن ربطت أمريكا ومجتمعها الدولى اعترافها بالثورة المصرية، بضرورة الالتزام بكامب ديفيد ونظامها .
*****

القاهرة فى 23 مارس 2014

الثلاثاء، 18 مارس 2014

من أنتم ؟

من أنتم ؟
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

الذين شمتوا فى العدوان الصهيونى الأخير على غزة أو الذين التزموا الصمت، أو الذين أدانوه ولكن بتحفظ، و الذين يشيطنون الفلسطينيين كل يوم، والذين يحرضون ضدهم . من أنتم ؟ وعن من تعبرون ؟
فحتى عندما كانت الأنظمة الحاكمة ترتمى تماما فى احضان الامريكان والصهاينة، كان الموقف الشعبى فى مصر مناصرا على الدوام للمقاومة الفلسطينية، ومناهضا للعدو الصهيونى.
تذكروا مواقفنا فى صابرا وشاتيلا وانتفاضة الحجارة 1987 وانتفاضة الاقصى 2000 وحرب لبنان 2006 و الرصاص المصبوب 2008 وعامود السحاب 2012...الخ
***
ثم أين ذهب كل الذين تحالفوا مع اسرائيل و باعوا فلسطين، أين ذهب الملك عبد الله والملك حسين والسادات و مبارك و جماعة كوبنهاجن.
وأين هم من أحمد عبد العزيز و عبد المنعم رياض و ابراهيم الرفاعى وسليمان خاطر وعز الدين القسام وابو جهاد وابو اياد وابو عمار واحمد ياسين و الرنتيسى وفتحى الشقاقى وسناء محيدلى ودلال المغربى وآيات الأخرس والآلاف غيرهم.
***
كما ان اى مقاومة للعدو الصهيونى لا يمكن ان تمثل تهديدا لمصر، بل هى خط الدفاع الاول عن امنها القومى وامن الامة العربية كلها، بحسابات الصراع وموازين القوى و المصلحة و التاريخ و الجغرافيا والانتماء والهوية،
الا اذا كنا ننظر للمصلحة المصرية بنظارة كامب ديفيد! وفى هذه الحالة، فان المعاهدة وقيودها هى التى تمثل التهديد الفعلى للأمن القومى المصرى.
و مقارنة بسيطة بين موقف اسرائيل التى ترفض نشر اى قوات مصرية فى سيناء، الا بالقطارة وبالتنسيق معها وتحت رقابتها، وبين موقف الفلسطينيين بكافة فصائلهم الذين يدعون الله ليل نهار، لعودة الجيش المصرى بكامل قواته وسلاحه الى جوارهم وعلى الحدود معهم،
 نقول ان أي مقارنة من هذا النوع تؤكد للمشككين والمضلِلِين من هو العدو ومن هو الصديق.  
كما انه من ناحية أخرى، لا يحق لأحد أن يحدثنا عن أمننا القومى وهو يصالح اسرائيل ويعترف بها وينسق معها ويقيد سيناء حماية لأمنها، ناهيك عن الانسحاب من مواجهة مشروعها .
***
لقد مر اكثر من قرن من الزمان على بداية المشروع الصهيوني وأكثر من 60 عاما منذ اغتصاب فلسطين، سقطت فيه انظمة كثيرة، بل اختفت دول وظهرت دول ودويلات جديدة، ومر علينا حكام وطنيون وآخرون خونة، وعشنا عصور الاستعمار والاستقلال و التبعية، وشاهدنا ثلاث حقب دولية؛ بين الحربين العالميتين ثم الحرب الباردة ثم الانفراد الامريكى بالعالم...
مائة عام تبدلت فيها المبادئ والقيم والمواقف وموازين القوى، ولكن بقيت المقاومة الفلسطينية ثابتة على الدوام، تنتقل رايتها من جيل الى جيل، ومن تيار الى آخر، فلم تستسلم فلسطين أبدا ولم تكف لحظة عن توليد المناضلين و تقديم الشهداء، وكلما كنا نتصور انها تلقت الضربة القاضية، كانت تفاجئنا وتبهرنا بصمودها وبإحياء ذاتها، و بميلاد جيل جديد من مقاوميها .
ولذا يتوجب علينا دائما أن نرتقى لمستواها، وأن نحذو حذوها، وأن نحرر دعمنا لها من حسابات اللحظة، وصراعات المرحلة، اى مرحلة....!
ان فلسطين لا تزال مغتصبة، ولا يزال المزيد من اراضيها يغتصب كل يوم، ولا يزال الكيان الصهيونى منتصرا و متقدما، ولا تزال الأولوية فلسطينيا ومصريا وعربيا، هى مقاومته ومواجهته وتعويقه وهزيمته.
فالأرض والقضية والمقاومة، أبقى من كل الانظمة و الحكام، ومن كل الثورات و الإنقلابات، ومن كل الدساتير والسلطات و الاحزاب والانتخابات، و أبقى من فتح و حماس و الاخوان، ومن الحزب الوطنى وكمل جميلك .
فنحن نصارع بعضنا بعضا اليوم، وسنتصالح غدا، لنعاود الصراع بعد غد، هكذا هو حالنا على مر العصور
وعلينا دائما وفى كل المراحل و الأحوال، الا نفقد البوصلة الصحيحة فى قضايانا المصيرية
وقضيتنا المركزية منذ مائة عام هى الحيلولة دون بقاء و استقرار القاعدة الاستعمارية الغربية المسماة بالكيان الصهيونى، على الارض العربية، حاجزا بين جناحيها، ومهددا لجبهتنا الشرقية .
وما يرتبط بذلك فى هذه المرحلة، ومنذ ان انسحبت و استسلمت كافة الانظمة العربية، من حتمية دعم وحماية اى مقاومة داخل الأرض المحتلة ترفض الاعتراف بإسرائيل وتتمسك بكامل التراب الفلسطينى وترفض القاء سلاحها، مهما اختلفنا مع أيديولوجياتها او مرجعيتها الفكرية. والعمل على تحريرها من كافة انواع الضغوط وكسر الإرادة مثل الحصار والعدوان والقتل والإبادة والتجويع والتركيع والتشويه.
*****

القاهرة فى 16 مارس 2014

الثلاثاء، 11 مارس 2014

الثورة المصرية وفلسطين

الثورة المصرية و فلسطين
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
أولا ـ الثوابت :
·       ستظل الارض الواقعة شرق الحدود الدولية المصرية، بين نهر الأردن والبحر المتوسط هى فلسطين وليس اسرائيل، مهما اختلت موازين القوى الاقليمية والدولية، ومهما استسلمت الأنظمة العربية.
·       وسيظل الكيان الصهيونى مشروعا استعماريا غربيا يستهدف مصر والأمة العربية بقدر ما يستهدف فلسطين.
·       وسيظل الاعتراف باسرائيل جريمة تاريخية ووطنية وقومية و عقائدية، حتى لو اعترفت بها كل دول العالم، وكل الدول العربية.
·       وستظل كامب ديفيد وكذلك كل الاتفاقيات العربية الاسرائيلية من اوسلو ووادى عربة ومبادرة السلام العربية تمثل عدوانا على القضية الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطينى، وانتصارا ودعما للمشروع الصهيونى، مهما أصدرت السلطات المصرية والعربية المتعاقبة من بيانات وتصريحات تؤكد فيها التزامها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.
·       وستظل القوى او التيارات او الجماعات او المنظمات او الشخصيات الفلسطينية التى ترفض الاعتراف بشرعية إسرائيل، وتتمسك بكامل التراب الفلسطينى، هى الاكثر تمثيلا للشعب الفلسطينى والأكثر تعبيرا عن جموع الشعب العربى، مهما اتهمتها أمريكا أو إسرائيل أو الأنظمة العربية بالتطرف او بالإرهاب.
·       وستظل القوى او التيارات او الجماعات او المنظمات او الشخصيات الفلسطينية التى وقعت اتفاقات اوسلو واعترفت بإسرائيل وتنازلت لها عن 78% من فلسطين، وعن حق الشعب الفلسطينى فى المقاومة والكفاح المسلح، تمثل اختراقا صهيونيا للصف العربى والفلسطينى، حتى لو كانت فى السلطة، وحتى لو فازت بدولة منزوعة السلاح فى حدود 1967، وحتى لو اعترفت بها مصر وكل الدول العربية وأمريكا والمجتمع الدولى ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطينى.
·       وستظل اى ثورة عربية أو حركة سياسية، لا تستهدف مواجهة المشروع الامريكى الصهيونى، مجروحة فى ثوريتها وفى وطنيتها.  
·       وستظل الانظمة العربية الحالية تقدم فلسطين وشعبها ومقاومتها قرابين لإسرائيل والسيد الامريكى ، حفاظا على بقاءها ومصالحها واستجداءً للرضا والقبول والاعتراف.
***
ثانيا ـ الثورة وفلسطين :
والآن بعد هذه المقدمة الضرورية، نستطيع أن نستعرض معا مواقف الأطراف المصرية المختلفة تجاه قضية فلسطين بعد ثورة يناير 2011 :
كان الموقف الفعلى الذى اتخذه الجميع بعد الثورة هو انه "لا وقت لفلسطين"، بحجة انه دعونا نهتم بمصر أولا ونركز عليها الآن، وبعد أن ننجح بإذن الله فى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، يكون لكل حادث حديث. وكان واضحا فى هذا الموقف العام، انه يتبنى ذات النظرية الساداتية المباركية، التى تنطلق من ان فلسطين هى سبب كل مشاكل مصر، وان العداء لإسرائيل أوردنا موارد الهلاك، وانه علينا ان نهتم بشئوننا ان أردنا ان نتجنب تكرار ما حدث لنا فى 1967.
***
الى الدرجة التى جعلت الجميع يقف موقفا رافضا من انضمام فلسطين الى الربيع العربى؛ فحين دعا مئات الآلاف من الشباب الفلسطينى والعربى بعد الثورة المصرية مباشرة، الى مسيرة كبرى الى فلسطين والى انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثالثة فى مايو 2011، متصورين "ببراءة" ان ثوار الربيع العربى سيرحبون بهم ويأخذوهم بالأحضان، ويسعدون بهذا الزخم الثورى الفلسطينى الذى سيمثل اضافة نوعية الى جبهة الثورة العربية فى مواجهة أعدائها من الأنظمة والأمريكان والصهاينة، الا انهم بدلا من ذلك صدموا فى ان دعوتهم لاقت صدا كبيرا وصل الى درجة التجريم السياسي، الذى عبر عنه احد كبار الكتاب الليبراليين حين قال انه من المحرمات على الثورة المصرية ان تتحدث عن فلسطين، واتفق معه فى ذلك داعية اسلامى شهير، فقال ان تلبية المصريين لهذه الدعوة فى هذا التوقيت هو سلوك آثم.
***
اسرائيل أولا :
كان هذا هو ملخص الموقف بعد الثورة، ولكن فى الضفة الأخرى من النهر وعلى العكس من ذلك تماما، كان السؤال الأول الذى تحرص كل الوفود الأمريكية والأوروبية على توجيهه للجميع، هو "هل تلتزمون بالمعاهدة ؟" بما تتضمنه من الاعتراف باسرائيل وبحقها فى الحياة والوجود فى الارض التى نعرفها نحن بفلسطين !
ومن كان يرد بالإيجاب، كان يتم وضعه مبدئيا فى القائمة البيضاء الأمريكية، ومن كان يرفض كان يحتل مكانه الطبيعى فى القائمة السوداء.
وبالطبع دخلت كل القوى والأحزاب والأطراف المصرية فى القائمة البيضاء !!
أى أن الشرط الامريكى والدولى للاعتراف بالثورة المصرية وبكل من فيها، كان هو اعترافها باسرائيل والتزامها بالمعاهدة معها.
فالاعتراف باسرائيل = الاعتراف بالثورة.
والخلاصة انه فى الوقت الذى رفعنا نحن فيه شعار "لا وقت لفلسطين"، رفعوا هم شعار "الأولوية لإسرائيل ولأمن إسرائيل ولإنكار فلسطين"
لتنكشف المواقف الحقيقية للجميع وهى ان الادعاء بتأجيل قضية فلسطين، لم يكن تأجيلا وإنما كان تعهدا وتجديدا للالتزام بما التزم به نظام مبارك.
***
وكان للشباب موقف آخر :
أما غالبية الشباب الثورى، فلقد اتخذوا موقفا مغايرا على طول الخط، فأعلنوا منذ اللحظة الأولى ان مواجهة المشروع الصهيونى هى جزء لا يتجزأ من مشروعهم الثورى، وترجموا هذا التوجه فى سلسلة من المعارك والمواقف :
·       ففى يوم الجمعة 8 ابريل، توجه بضعة آلاف من الشباب المتظاهر فى ميدان التحرير، الى السفارة الإسرائيلية فى تظاهرة غاضبة ردا على العدوان الصهيونى على غزة الذى أودى بحياة 19 شهيد، والذى كان هو العدوان الأول على غزة بعد الثورة المصرية، فكانت الرسالة التى يريد الشباب المصرى إرسالها الى إسرائيل ان مصر قد قامت فيها ثورة، وان الأمور وموازين القوى قد تغيرت.
·       وكانت هى المرة الاولى التى ينجح فيها المصريون منذ عقود طويلة فى الوصول الى السفارة الإسرائيلية التى كان الاقتراب منها من المحرمات منذ توقيع كامب ديفيد.
·       وبالفعل توقف العدوان الصهيونى بعد ثلاثة أيام خوفا من ردود الفعل الشعبية المصرية فى ظل ظروف لم تعد فيها أجهزة الأمن بقادرة على التصدى للتظاهرات الشعبية على غرار ما كان يحدث فى الماضى.
·       وتكررت هذه المظاهرات بشكل أكثر عنفا بعد قيام إسرائيل بقتل 5 جنود مصريين على الحدود المصرية "الإسرائيلية" فى 18 اغسطس 2011 بدون ان تقدم اى اعتذار، وبدون اى رد فعل من الحكومة المصرية او من المجلس العسكرى.
·        وتجددت المظاهرات مرة أخرى بعد قيام السلطات المصرية ببناء جدار خرسانى عازل حول السفارة، مما تسبب فى تصعيد المظاهرات واقتحام السفارة فى 9 سبتمبر 2011، وهو ما أثار انزعاجا أمريكيا إسرائيليا شديدا، وضغوطا على المجلس العسكرى نتج عنها اعلان حالة الطوارئ فى اليوم التالى مباشرة للاقتحام ولأول مرة بعد الثورة.
·       وكان من أهم آثار مظاهرات الغضب هو إخلاء اسرائيل للمبنى الذى احتلته شغلته سفارتها منذ عقود طويلة، وعجزها حتى تاريخه عن إيجاد مقر جديد لها.
·       ولم يكن الأمريكان وإسرائيل والمجلس العسكرى فقط الذين أصابهم الانزعاج، بل خرج قطاع كبير من النخبة الاعلامية والسياسية يدين ما حدث من اقتحام السفارة، ويكيل الاتهامات للمتظاهرين، وخرج المانشيت الرئيسى لجريدة المصرى اليوم يقول ((الثورة المصرية تغسل يدها من موقعة السفارة))
***
جلعاد شاليط :
وكانت المحطة التالية لمصر مع الثورة مع فلسطين هى صفقة الافراج عن الاسرى الفلسطينين مقابل افراج المقاومة عن الجندى الاسرائيلى المختطف "جلعاد شاليط" فى 11 أكتوبر 2011 والتى كان واضحا فيها الهرولة الاسرائيلية لإبرامها، خشية مما قد تسفر عنه الامور فى مصر بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وما قد يترتب عليها من خروج المجلس العسكرى وأجهزة الامن المصرية من المشهد، وهى القنوات التى اعتادت اسرائيل ان تتواصل معها فى مصر منذ توقيع المعاهدة .
***
جريمة رفح :
بعد هذه الصفقة، سينزوى الملف الفلسطينى الاسرائيلى مؤقتا، الى ان نصل الى 5 اغسطس 2012 حيث استشهد 16 جندى مصرى على الحدود على ايدى جهة لا تزال مجهولة حتى تاريخه، وان كانت تفوح منها رائحة صهيونية .
وما تلى ذلك من حملة سياسية شعبية مصرية ضد كامب ديفيد، طالبت بإلغاء او تعديل المعاهدة وتحرير سيناء من القيود المفروضة عليها بموجبها، والتى تمثل السبب الحقيقى وراء كل ما يحدث هناك، وحذرت من تكرار هذه الجرائم طالما ظلت سيناء مقيدة فى السلاح والقوات، وهو ما تأكد فيما بعد .
 ولكن للأسف لم تستمر هذه الحملة طويلا، فانتهت بتصريح ياسر على المتحدث الرسمى باسم الرئاسة بان مصر لا تفكر الآن فى تعديل المعاهدة، مع عزوف المعارضة المصرية من ناحية أخرى عن الاقتراب من هذه القضية .
***
عامود السحاب :
تلى ذلك أزمة العدوان الصهيونى الجديد على غزة " عامود السحاب" فى 14 نوفمبر 2012، والذى كان من ضمن أهدافه جس نبض الادارة المصرية الجديدة، وهو العدوان الذى اودى بحياة 162 شهيدا، والذى توقف بعد ثمانية ايام مقارنة بـ 22 يوم فى عدوان الرصاص المصبوب 2009.
 ولقد قامت مصر بسحب سفيرها من إسرائيل بعد ساعات من بداية العدوان، وتفجرت مظاهرات الغضب فى عدة ميادين مصرية دعما للمقاومة الفلسطينية، ثم تم توقيع اتفاق للهدنة بين إسرائيل وفصائل المقاومة برعاية مصرية، تفاخرت به الإدارة المصرية، وتحفظت عليه المعارضة، ولم تنتقدها الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة الجهاد الفلسطينى المستقلة عن الاخوان المسلمين .
تلى ذلك حالة تواصل شعبى مصرى فلسطينى غير مسبوقة، فتوافدت عشرات الوفود المصرية وآلاف من الناشطين على غزة للدعم و فك الحصار، حيث انها كانت محرمة عليهم أيام مبارك، كما ان الضفة الغربية محرمة عليهم بسبب رفض غالبية المصريين دخولها بتأشيرة إسرائيلية. وظهر المشهد حينها وان حصار غزة فى طريقه الى الزوال .
***
الإخوان وحماس :
ولكن رغم حالة الانفراجة النسبية فى حركة الافراد عبر معبر رفح، ورغم كل ما يقال عن العلاقات الوثيقة بين الاخوان وبين حركة حماس، الا ان إدارة محمد مرسى لم تقم بتحرير المعبر من القيود الإسرائيلية التى تضمنتها اتفاقية فيلادلفيا المصرية الإسرائيلية التى التى تم توقيعها فى 2005، فظل الحظر على دخول البضائع منه، وظلت القيود الأمنية على دخول آلاف من الشخصيات الفلسطينية الى مصر وفقا لما يسمى بقواعد التنسيق الامنى، كما رفضت مصر تلبية طلب الفلسطينيين بإقامة منطقة تجارة حرة على حدودها مع غزة، ولكن الملمح الأهم فى هذه المرحلة كان هو بقاء ملف العلاقات المصرية الفلسطينية تحت إدارة جهاز المخابرات العامة، فلم ينتقل ابدا الى محمد مرسى وإدارته.
***
شائعة الوطن البديل :
وبالتزامن مع هذه الانفراجة المؤقتة، انطلقت حملة مضادة، مصدرها على الأغلب عناصر أمنية محسوبة على نظام مبارك بالتعاون والتنسيق مع عناصر فى السلطة الفلسطينية أبو مازن، فى الترويج لشائعة ان الإدارة المصرية الاخوانية بصدد بيع جزء من سيناء الى الفلسطينيين فيما اشتهر بعنوان "الوطن البديل". وهو المشروع القديم الذى انطلق من احد المراكز البحثية الإسرائيلية ايام مبارك، واستخُدم حينها للتحريض والتعبئة ضد الفلسطينيين، فعاد الحديث عن هذا المشروع للظهور مرة أخرى بلا سابق إنذار، لتوظيفه فى الصراع السياسى الدائر فى البلاد .
ورغم ان لا يوجد اى طرف فلسطينى او مصرى، تبنى هذا المشروع او دافع عنه، ورغم ان الفلسطينى الذى يقاتل اسرائيل ويستشهد دفاعا عن ارضه المغتصبة، لا يمكن له ان يتركها الى وطن آخر، ورغم ان الفلسطينيين فى غزة الذين ظلوا لسنوات طويلة من 1949 حتى 1967 تحت الإدارة المصرية، لم يتركوا فلسطين ولم يطلبوا الجنسية المصرية، ورغم ما حدث فى 2008 من اقتحام اهالى غزة للحدود المصرية لشراء احتياجاتهم المعيشية، وعودتهم بعد ذلك على بكرة ابيهم الى منازلهم وأراضيهم ...
رغم كل ذلك الا ان التعبئة الإعلامية تجاهلت كل هذا وأخذت تروج وتنفخ فى هذه الشائعات، فى اطار تصعيد التحريض ضد حكم الإخوان، وكالمعتاد كان الفلسطينيون هم الضحية.
***
ثالثا ـ 3 يوليو 2013 :
فلما قامت الدولة بالتحالف مع معارضة الاخوان، باسقاط حكمهم وخلع رئيسهم فى 3 يوليو 2013، انعكس هذا بشدة على الملف الفلسطينى، وتبنى نظام يوليو موقفا معاديا وعنيفا تجاه غزة حماس، وفى هذا الشأن هناك روايتان :
·       الرواية الأولى : وهى رواية النظام، وتنطلق من ان حركة حماس انحازت الى الاخوان ولم تعترف بشرعية 3 يوليو، وتبنت توصيف ما حدث بانه انقلاب، وقدمت دعما لأنصار مرسى، على كافة المستويات، لم يقتصر على الدعم الاعلامى من خلال قنواتها ومنابرها الإعلامية وانما تجاوزه الى الدعم العسكرى، فشاركت حماس فى الاعمال الارهابية التى ترتكب ضد الجيش والشرطة فى سيناء سواء بالعناصر او بالسلاح أو بالتدريب او بالتسهيل. وهو ما يستوجب ردا عنيفا من الدولة المصرية حفاظا على الامن القومى، وهو ما انعكس فى هدم الانفاق وإغلاق المعبر، بل وتقديم محمد مرسى نفسه وعديد من القيادات الاخوانية الى المحاكمة بتهمة التخابر مع حماس، فى تذكرة بالحملات القديمة المشابهة ضد المنظمات الفلسطينية بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد .
***
·       اما الرواية الثانية : فهى ان نظام يوليو الجديد أراد ان يكسب الاعتراف والتأييد الدولى له، من بوابة اسرائيل، وكان ثمن ذلك هو تنفيذ مطالبها بالتدمير الكامل للأنفاق وإحكام الحصار على غزة، واعتبار حماس جماعة إرهابية.
·       وهى المطالب التى كانت أجهزة الدولة المصرية حتى فى عز جبروت نظام مبارك، تحاول أن تتحايل للالتفاف عليها فى حدود معينة، فكانت تتغاضى عن مئات الأنفاق، حتى لا تتسبب فى خنق كامل لقطاع غزة بشكل قد يؤدى الى الانفجار.
***
·       ولا مانع بالطبع من ان يكون هناك درجة من التداخل بين الروايتين، فلا ضير من إرضاء إسرائيل وفى نفس الوقت اكتساب ورقة تعبوية إضافية ضد الاخوان وحكمهم وعناصرهم وجماهيرهم، من خلال اتهامهم بالتخابر مع جهات اجنبية مثل حماس المصنفة كجماعة إرهابية فى القوائم الأمريكية والاسرائيلية. اما تهمة التخابر مع أمريكا التى تروج لها المنابر الإعلامية للنظام، فلم يجرؤ احد على توجيه اتهام رسمى بها.
***
·       وفى النهاية، ليس من الصعب التمييز بين الروايتين وتحديد نسب الحقيقة أو الدقة فى أى منهما، وذلك من خلال قراءة موقف السلطات المصرية من معبر رفح : فان كانت تستهدف حماية الامن القومى المصرى من مخاطر الأنفاق فيجب هدمها كلها، ولكن بشرط ان تفتح المعبر تماما امام حركة الافراد والبضائع على غرار أى معبر آخر كمعبر السلوم مثلا، وفى هذه الحالة سيكون كل شئ تحت رقابتها الكاملة وفقا لكل القوانين والاجراءات التى تراها وبلا اى تعقيب من احد.
اما من يريد رضا اسرائيل و مباركتها، لعلها تكون جسرا ورسولا الى امريكا ومجتمعها الدولى، فعليه ان يغلق المعبر ويهدم الأنفاق كليهما معا.
*****
القاهرة فى 9 مارس 2014




الثلاثاء، 4 مارس 2014

عودة الشيخ

عودة الشيخ
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

((ابحث عن كبيرهم و استقطبه و سيطر عليه واكسب ولاءه،  فان نجحت فى ذلك، فسيدينون لك جميعا بالولاء، فهؤلاء القوم ليس لديهم دولة بالمفهوم الحديث، وليس لديهم نظاما ديمقراطيا ولا مؤسسات أو سلطات مستقلة، وليس لديهم رقيب او تعقيب على قرارات رئيسهم او مليكهم او أميرهم، انهم كالقبائل البدائية، التى يحكمها رجل واحد هو شيخ القبيلة))
كانت هذه هى خلاصة توصيات مستشارى هنرى لكيسنجر، عن كيفية التعامل مع السادات والحكام العرب خلال حرب أكتوبر وما تلاها، والتى اشتهرت بنظرية "الشيخ والخيمة".
***
((لا يوجد فى الوفد المصرى من له تأثير على "السادات"، أما الوفد الاسرائيلى، فبالإضافة الى "بيجين" هناك "موشى ديان" و "وايزمان" و "باراك"، وسيكون لكل منهم دورا مؤثرا))
من تقارير سفيرى امريكا فى مصر وإسرائيل، للرئيس الامريكى جيمى كارتر أثناء التجهيز والإعداد لمباحثات كامب ديفيد وتحليل المواقف المحتملة لكل الأطراف، ودراسة شخصيات الحضور، وكيفية التأثير عليها (من واقع وثائق الـ CIA  عن كامب ديفيد ـ اجتماع مجلس الأمن القومى أول سبتمبر 1978)
***
بعد كل محاضرة كنت أتحدث فيها عن الكتالوج الامريكى لمصر، وكيف انتزعوا منا نصر أكتوبر وأعادوا صياغة مصر على امتداد 40 سنة على كافة المستويات، لتجريدها من الرغبة والقدرة على مواجهة المشروع الأمريكى الصهيونى، كان السؤال الدائم والأكثر تكرارا من الشباب المذهول والمصدوم هو ((كيف فعلوها معنا هكذا ؟ واين كان الشعب والقوى الوطنية ومؤسسات الدولة، وكيف سمحوا للأمريكان وللنظام بان يفعلوا كل ذلك بمصر؟))
وكانت الإجابة التى أقدمها فى كل مرة هى "نظرية الشيخ والخيمة"، التى قدمها المستشارون فى وزارة الخارجية الأمريكية الى هنرى كيسنجر له عام 1973، ليتسنى له إخراج مصر من المعادلة . وهى المهمة التى نجح فيها بالفعل، ولا يزالوا ينجحون فيها حتى اليوم.
فلقد نجح هنرى كيسنجر فى خطف مصر كلها، حين تمكن من السيطرة على شخص مصرى واحد هو أنور السادات.
وفعلها كارتر مرة أخرى فى مفاوضات كامب ديفيد، التى دخلها السادات منفردا، متجاهلا نصائح كل مستشاريه ووزراء خارجيته الذين استقال اثنان منهم هما إسماعيل فهمى و محمد إبراهيم كامل.
وبالسيطرة على السادات ومبارك من بعده، والذى أدى الى السيطرة على الدولة المصرية كلها، تحولت كل مؤسساتها، بقدرة قادر، من الهجوم على أمريكا وإسرائيل وتعبئة الشعب للمعركة، الى بوق فى الاتجاه المعاكس، يروج للسلام وللتبعية، بنفس الأشخاص و بنفس الأدوات وبنفس الأجهزة . انقلبت كلها 180 درجة بجرة قلم .
و منذ ذلك الحين تغير مصير مصر، ومصير فلسطين، ومصير الأمة العربية كلها، وتغيرت موازين القوى الإقليمية وربما الدولية.
انها قصتنا القديمة الحزينة فى العالم العربى، قصة الزعيم أو الرئيس الذى ينفرد بمصائرنا، سواء كان من الأخيار أو كان من الأشرار:
·       حَكَم عبد الناصر مصر، فتبعته الدولة فى مشروعه، وعندما مات وانقلب السادات على هذا المشروع، انقلبت معه الدولة.
·       وقاتل بعد 1967 ولم يستسلم للهزيمة، فتبعته الدولة، وحين استسلم السادات فى كامب ديفيد، وسلم البلد الى الأمريكان، استسلمت معه الدولة.
·       وفى فلسطين، قاتل ياسر عرفات وقاوم 1965ـ 1987، فقاتلت تحت قيادته منظمة التحرير الفلسطينية.
·       وحين إنكسر فى المنفى وقرر الاعتراف بإسرائيل فى أوسلو 1993 وتنازل لها عن 78 % من فلسطين، انكسرت معه المنظمة واعترفت.
·       وحين تخلى ابو مازن عن الانتفاضة وألقى السلاح، ونسق مع إسرائيل ضد المقاومة، تبعته السلطة الفلسطينية
·       و حين سقط صدام حسين فى العراق، سقطت بغداد فى بضعة أيام.
·       ولا تزال السعودية والخليج تُحكَمان بعائلات ومشايخ نصّبها الانجليز هناك منذ ما يزيد عن قرن من الزمان
·       ولدينا 350 مليون عربى، يتراجعون و ينهزمون كل يوم، أمام 6 مليون صهيونى، بسبب خوف أو تواطؤ بضعة أفراد لا يتعدى عددهم 20 فردا، هم الحكام العرب.
·       أما مبارك، فلقد فرط فى الكرامة والسيادة والاستقلال والموارد، وتحالف مع الأمريكان، ودعم حصار العراق وغزوه، وحصار غزة والعدوان عليها، بمباركة كاملة من نظامه و دولته.
·       وعندما قرر أن يورث حكم مصر لإبنه، دانت له الدولة، قبل أن يثور عليهم المصريون.
***
أنه الاستبداد فى أسوأ صوره، إنها جرثومة اختصار الوطن والنظام والدولة فى شخص واحد، هو الرئيس أو الزعيم أو الملك أو الأمير، ان فعل فعلنا، وان صمت صمتنا، وان ارتد او انقلب انقلبنا، وان خان خُنّا...
انها أسهل طريقة لاغتيال الأمم والشعوب، اختزالها فى فرد، ثم قتله او احتوائه أو إغواءه أو شراءه او إرهابه أو كسره او الضغط عليه...الخ
هكذا ضاع استقلالنا، وضاعت فلسطين، وضاع العراق وانقسمت الأمة وتدهورت أحوالنا، فاحتللنا موقعنا فى قاع المجتمعات البشرية.
***
الثورة تهدم الخيام:
ومن هنا نستطيع أن ندرك القيمة العظيمة و الانجاز الأهم للثورة المصرية والثورات العربية، حين أسقطت وهدمت كل الخيام على رؤوس كل الشيوخ، ولو لم تفعل شيئا سوى ذلك، فهذا يكفي.
وبدلا من الشيخ الواحد أصبح لدينا 80 مليون شيخ، يمثلون الرأى العام بكافة تنوعاته واتجاهاته و إنحيازاته وبكل موضوعيته أو شطحاته، يتربصون فرادى وجماعات بكل صغيرة و كبيرة، لا يتركونها الا بعد ان يقتلونها بحثا ونقدا وتحليلا وسخرية، ولا يتركون رئيسا او حكومة او وزيرا او مسئولا او عسكريا او شرطيا او رأسماليا يهنئ بالحكم او بالسلطة او بالنفوذ.
ورغم ما أثاره هذا الوضع الجديد من مشاعر الضيق و الخوف و الانزعاج من الفوضى والترحم على هيبة الدولة، إلا انها كانت مسألة ضرورية وردة فعل طبيعية بعد عصور طويلة من الاستبداد والقهر والتغييب، وكان مسيرها ان عاجلا أم آجلا أن تتحول الى أوضاع مؤسسية، تترجم نفسها الى حكم ديمقراطى حقيقى ومستقر، بالإضافة الى انه كان لها انجازاتها الهامة، وعلى رأسها انه لم يعد يمكن لكائنٍ من كان ان يبيعنا فى "سوق الثلاثاء"، والأمثلة كثيرة ومتعددة :
·       فإسرائيل أصابها انزعاجا شديدا من الربيع العربى، لأنه خلق واقعا جديدا يهددها ويهدد مستقبلها، بعد أن أصبحت الشعوب العربية طرفا فى صناعة القرار، فلقد اعتاد قادة الصهاينة منذ نشأة اسرائيل، على حد قولهم، على التعامل مع القصور وليس الشعوب.
·       وقبل أى عدوان صهيونى جديد على فلسطين، كان رسائل أجهزة الأمن المصرية لنظيرتها فى اسرائيل، هى انه لم يعد بالإمكان السيطرة على حالة الغضب الشعبى المتوقعة، على غرار ما كان يحدث فى الماضى
·       وحين كان صندوق النقد يتفاوض مع الحكومات المتعاقبة على القرض، كان يعلق موافقته على شرط القبول المجتمعي، فى سابقة هى الأولى من نوعها  فى تاريخ مفاوضاته معنا
·       ونجح الضغط الشعبى فى إرغام المجلس العسكرى على تقديم مبارك ورجاله الى المحاكمات، وإرغامه على تقديم موعد الانتخابات الرئاسية سنة كاملة.
·       وحين قامت الانتخابات الرئاسية 2012، شعر الجميع لأول مرة فى تاريخهم، بأنه سيكون لهم دور و رأى فى اختيار من يحكمهم، ورأوا كافة المرشحين على قدم المساواة، يحترمونهم و يخطبون ودهم ويتنافسون على أصواتهم.
·       ونجحت التظاهرات الشعبية فى إسقاط حكومات وإعلانات دستورية وقرارات عسكرية و رئاسية.
·       وتسابق رجال نظام مبارك ومنافقوه، على جبروتهم، على تقديم التوبة وفروض الولاء والطاعة للثورة فى شهورها الأولى، خوفا من الغضب الشعبي .
·       وكانت الدنيا تقوم ولا تقعد فى مواجهة اى اعتقال أو أى اعتداء على أى متظاهر أو مصادرة لأى حرية أو رأى.
·       وأدت الاعتراضات على مشروع ممر التنمية الى إيقافه ومراجعته، وهو نفس ما حدث مع قانون التظاهر الأول.
·       والأمثلة كثيرة وكلها كانت تؤكد على أن الجميع أصبح يعمل ألف حساب للرأى العام المصرى.
***
·       صحيح انها كانت أوقات عصيبة ومعارك مرهقة أصابت الكثيرين بالاضطراب والتوتر والتردد، إلا أنها كانت مبشرة وواعدة، فلقد نجحت فى فضح وهدم كل الكواليس والغرف المغلقة والبنود السرية والصفقات الخلفية.
·       و لا يجب أن ننسى أبدا أن السيادة فى سيناء قد بيعت هى وغازها وبترولها فى الغرف المغلقة، وكذلك تم توظيف ممرات مصر المائية ومجالها الجوى لخدمة القوات الأمريكية فى غزو العراق، وتم نهب مقدرات البلاد وبيع القطاع العام فى الكواليس، وكل هذا كان يتم  بأوامر من "السيد الشيخ الرئيس"، وبالتزام ودعم كامل من أجهزة دولته.
·       أما بعد الثورة فلقد أصبحت مصر لأول مرة بكل ما فيها ومن فيها على الهواء مباشرة، بلا أسرار أو مونتاج أو تجميل أو تضليل .
***
عودة الشيخ :
والآن بعد كل هذا التاريخ الأسود لحكم الفرد، وبعد كل هذا الشقاء وكل هذه التضحيات وكل هذه الحريات، هناك من يريد أن يعيد العجلة إلى الوراء، يريدون إعادة مصر إلى عصور"الشيخ والخيمة"، يريدون ان يعيدوا حشرنا وحبسنا جميعا داخل الخيمة مرة أخرى، وأن يضعوا على رأسنا شيخا جديدا !
 فهل ينجحون؟
سنرى.
*****
القاهرة فى 3 مارس 2014